ما هو القانون المقارن؟

ما هو القانون المقارن؟

  

القانون المقارن

التعريف بالقانون المقارن

إن القانون المقارن لا يشكل مادة قانونية متميزة ومستقلة٬ أي أنه لا يشكل قانونا بالمعنى الذي نستعمله حين نتحدث عن القانون الدستوري والمدني والإداري كمجموعة من القوانين الوضعية٬ لأن الفقهاء عادة ما يستعملون عبارة "القانون المقارن" بمفهومها الضيق لكي تهم فقط المقارنة بين مؤسسات أو قواعد تنتمي إلى قوانين وضعية متباينة٬ كالمقارنة بين قضاء المظالم والقضاء العصري٬ أو بين الإدارة المغربية والإدارة الفرنسية.

وظيفة القانون المقارن

يعتبر القانون المقارن وسيلة للتعرف على القوانين الأجنبية و عنصر أساسي لفهم القانون الوطني.

القانون المقارن: منهجية لدراسة القوانين الأجنبية

من المهم توضيح العلاقة بين عبارتي القانون المقارن ومعرفة القوانين الأجنبية٬ لأن هذه المقارنة تقتضي المعرفة٬ حيث يتحتم على رجل القانون الذي يتفحص قانونا أجنبيا٬ أن يضع نفسه في الوضعية التي يوجد فيها رجل القانون في البلد المعني بالأمر.

فالمنهج المقارن يشكل وسيلة لمعرفة القوانين الأجنبية٬ حيث أن معرفة هذه القوانين يمثل جزءا أساسيا من الثقافة القانونية.

القانون المقارن: وسيلة لاكتشاف القانون الوطني

إن الهدف الأول من الدراسات المقارنة لا يتمثل في إعطائنا معارف حول نظام آخر٬ بل في مساعدتنا على الفهم الجيد للقانون الخاص بنا.

فرجل القانون الذي يكتفي بدراسة قانونه الوطني يمكن أن يصبح سجين هذا القانون فقط و لا يستطيع أن يستوعب الخطوط الأساسية لبتي تتشكل منها الخصوصية الحقيقية للنظام القانوني.

المعطيات الخاصة بالمنهجية المقارنة المطبقة على القانون الإداري

تتجلى خصوصيات هذه المعطيات في ثلاث محاور هي:

-      تنوع مراحل تطور القانون الإداري المقارن؛

-      الصعوبات المتعلقة بتطبيق المنهج المقارن على القانون الدولي؛

-      المناهج الممكنة.

 الشروط التاريخية لتطور القانون الإداري المقارن

عرفت نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 ميلاد عدة دراسات موثوقة حول المؤسسات الإدارية الأجنبية و تشير بالخصوص إلى المجادلة العلمية التي أثيرت بين ديسي  (Dicey)وجيز  (Jize) حول وضعية الإدارة في علاقتها بالقانون في فرنسا و انجلترا٬ لكن سرعان ما تراجع هذا المجهود حيث أن القانون الإداري في مجال المقارنة لم يعرف تطورا ملموسا.

أسباب التأخر النسبي للقانون الإداري: هناك سببان رئيسيان

العالم الليبرالي والقانون الإداري المقارن

ظهرت المقارنة في عالم لا يزال ليبراليا٬ و ذلك من الطبيعي أن تركز هذه الحركة القانونية على القانون الدستوري كميثاق للحريات من جهة و القانون الخاص الذي يحدد المحيط القانوني الليبرالي من جهة أخرى.

إن ديسي يعتبر أن دولة القانون تقتضي خضوع كل الأعمال الإدارية للقانون الخاص وللقاضي، و أن هذه السيادة تراجع كلما حاول القانون الإداري بسط سيطرته حيث لا يشكل إلا قناعا للتحكم و التعسف٬ و كما يلاحظ فالمقارنة تصبح مستحيلة بفعل إنكار مادتها الأولية.

توحيد القانون و القانون الإداري

كانت نزعة المقارنة في البداية تتوخى غاية مثالية٬ إلا أن موضوع الوحدة لم يؤد إلى خلق أصداء لدى المهتمين بالقانون العام٬ لأن القانون الإداري ولد متباينا من دولة إلى أخرى٬ و التوحيد بات من الأشياء المستحيلة٬ لارتباط هذه المادة مباشرة بسيادة الدولة٬ وأدت كل هذه العوامل إلى خلق مناخ لم يساعد على تطور القانون الإداري المقارن.

التوجه الجديد

يمكن تفسير هذا التوجه بعاملين هما: تراجع الدولة الليبرالية و ظهور الإدارات الدولية.

تراجع الدولة الليبرالية

 يتمثل السبب الأول للتوجه الجديد في تراجع الدولة الليبرالية إذ أن تدخلات الدولة في الوقت الراهن وفي جميع البلدات تخضع أساسا لمعطيات تقنية ترتبط بالحضارة العلمية أو بالحياة الصناعية٬ مع العلم أن هذه المعطيات تتشابه في كل مكان.

ظهور الإدارات الدولية

 السبب الثاني الذي شجع على دراسة القانون الإداري يتعلق بتنامي و تطور الإدارات الدولية و بظهور قانون أداري دولي يهدف إما إلى تنظيمها كالنظام القانوني للموظفين الدوليين٬ أو إلى تأطير علاقتها مع المواطنين.

فالقانون الإداري الدولي يقتضي دراسة معمقة لمختلف الأنظمة الوطنية وحكما على قيمة حلولها والأمثلة في هذا الصدد متعددة٬ كالنظام القانوني للموظفين الدوليين الذي يستلهم بعض قواعده من القانون الأنجلوسكسوتي والضمانات القضائية من قانون دول أوروبا الغربية.

الصعوبات الخاصة بتطبيق المنهج المقارن على القانون الإداري

إن الصعوبات الأولى التي يصطدم بها القانون الإداري المقارن٬ والتي تتفرع عنها كل الصعوبات الأخرى تكمن في كون مفهوم القانون الإداري نفسه لا يحضن بقيمة عالمية٬ ولذلك فمضمونه و معناه يختلفان تماما من بلد لآخر.

و لكي نفهم جيدا هذه الإشكالية٬ فيتعين الانطلاق من المفهوم الفرنسي للقانون الإداري كمرجعية أساسية لنرى فيما بعد كيف ستتشكل في بلدان أخرى.

المرجعية الأساسية:  المفهوم  الفرنسي للقانون الإداري

يتميز هذا المفهوم بسمتين هما  الوحدة والاستقلالية.

الوحدة:

يطرح وجود الإدارة و المهام التي تضطلع بها نفس المشاكل و ذلك في جميع الدول العصرية ففي المغرب و فرنسا ودول أخرى يتم حل هذه المشاكل في إطار مادة قانونية واحدة في القانون الإداري الذي يتكون من مجموعتين من القضايا يجب التمييز بينهما.

القضية الأولى:  القانون الإداري الذي يهتم بنظام الأجهزة العمومية الإدارية للدولة و الجماعات المحلية وبنيات المرافق العامة.

القضية الثانية:  تتمثل في القانون الإداري الذي ينظم العلاقات القانونية الناجمة عن تدخل الإدارة ويحدد امتيازاتها وواجباتها ويضبط الضمانات الممنوحة للخواص لحمايتهم من التعسف.

يطرح القانون الإداري الوصفي إشكاليتين:

الإشكالية 1:  تهم صعوبة تحديد مجاه حيث يتقاطع مع نطاق القانون الدستوري والسبب يكمن في ثقل التقاليد البيداغوجية والتقطيعات الاصطناعية للبرامج الدراسية التي تدخل في مجال القانون الإداري دراسة السلطة التنفيذية.

الإشكالية 2:  ترتبط بالتساؤل التالي إلى أي حد بمكن اعتبار وصف الأجهزة الإدارية كمادة قانونية؟

إن هذه المادة قانونية بشكلها وليس بمضمونها لأن تهيئة الأجهزة العمومية من قضايا حسن التنظيم التقني وليس المشاكل القانونية.

والدليل على ذلك أن أي جزء من التفاصيل المتعلقة ببنية أو تسيير جهاز إداري لا يشكل إلا مجرد توجيه عملي يهدف إلى تسهيل إنشاء هذا الجهاز إذا تم التنصيص عليه في وثيقة داخلية أو في قاعدة قانونية إذا تم تنظيمه في قرار تنظيمي.

القانون الإداري يعطي حلولا لمشاكل قانونية بطبيعتها

فالقانون هو الوسيلة الوحيدة القادرة على إعطاء عناصر الحل حينما يتعلق الأمر بتحديد علاقات الالتزام بين الأشخاص المعنوية العامة و الخواص وتأسيس ضمانات وإنشاء الصلاحيات و ضبط حدودها.

الاستقلالية:

 هل القانون الإداري مجرد قانون متميز أم قانون مستقل؟

يمكن النظر إلى القانون الإداري كمادة قانونية من خلال مفهومين مختلفين.

المفهوم 1:  حسب هذا المفهوم من الملائم تجميع كل القواعد القانونية التي تتخذ الإدارة كموضوع لها في كتلة واحدة.

المفهوم 2: يرى أنه من المنطق اعتبار هذه القواعد القانونية كمجموعة تتميز عن القواعد الأخرى ليس فقط لخصوصية موضوعها (الإدارة) ولكن كذلك لأنها تختلف عنها جوهريا و تنبثق عن مبادئ مغايرة.

إن القانون الإداري ذو صيغة استثنائية في علاقته مع القانون الخاص فهو لا يكتفي بمجابهة المشاكل التي لا تطرح عادة في القانون  الخاص بل يفصل فيها باللجوء إلى مفاهيم ونظريات يجهلها هذا القانون كالمنفعة العامة و المرفق العمومي.

بل الأكثر من ذلك لما تطرح أمامه نفس المشاكل التي تعرفها العلاقات الخاصة كالعقد والمسؤولية والخطأ فهو يعطي لها حلولا غير تلك المنصوص عليها في القانون المدني وتجسيد الحلول الخاصة السمة الحقيقية لاستقلالية القانون الإداري.

وحدة واستقلالية القانون الإداري خارج فرنسا

الوحدة:

 إن النظرية التي تقتضي بتجميع كل الحلول التي تعطي لمجموع المشاكل الإدارية في إطار مادة واحدة والتحديد للقانون الإداري الذي تؤسس له من المستبعد أن بتم الاعتراض بهما عالميا نظرا لتنوع مكونات القانون الإداري.

و يمكن تصنيف جل الدول في ثلاث مجموعات

-      دول تنتمي إلى أوروبا و تقبل بالمفهوم الفرنسي فالمادة الإدارية تعرف نفس الحدود باستثناء بعض التفاصيل.

-      الدول الأنجلوسكسونية ترى أن التحديد الأوروبي للقانون الإداري أصبح محل شك فالبريطانيون يشكون في أن القانون الإداري بشكل قانونا حقيقيا أما الأمريكيون فيعتبرونه قانونا غير إداري بما فيه الكفاية حيث لا يهتم كثيرا بالواقع المحسوس.

-      و هكذا  يمكن استنتاج خلاصتين أساسيتين.

كل ما يتعلق بالتنظيم الإداري وهو ما سميناه بالقانون الإداري الوصفي لا يندرج حسب الأنجلوسكسونيين ضمن مواد القانون الإداري.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك قاعدة تقليدية مفادها أن المشاكل المتعلقة بالتنظيم الإداري لا تندرج ضمن المشاكل القانونية حيث يتم دراستها في إطار مادة خاصة تسمى (علم الإدارة العامة) وهي تكون فرع من فروع علم السياسة.

وعلى عكس النظام الفرنسي الذي يأخذ الشكل بعين الاعتبار يهتم الأمريكيون بالمادة و المضمون.

كما يحدده الأنجلوسكسونيين لا تخضع للقانون الإداري عدة مشاكل تتعلق ليس بالتنظيم بل بالعلاقات الناتجة عن تدخل الإدارة لان القانون الخاص هو الذي يعطي الحلول في هذا الصدد.

الاستقلالية:

 يتعلق الأمر هنا بمفهوم فرنسي محض حيث أن استقلالية القانون الإداري ليست محل إجماع حتى في أوروبا نفسها ويبدو أن هذه السمة ترتبط مبدئيا بوجود محاكم إدارية مستقلة عن المحاكم العادية  ففي الدول التي يختص فيها القاضي بفض النزاعات الإدارية برز لديها نزوع طبيعي نحو تطبيق القانون الخاص على هذه القضايا.

فالقانون الإداري يتميز في هذه البلدان بموضوعه (الإدارة) وليس باستقلالية قواعده.

أما في الدول الانجلوسكسونية فالمبدأ السائد هو خضوع أعمال الإدارة إلى القانون الخاص وهذا ما يشكل في نظر الفقهاء الضمانة الفعالة لنظام يرتكز أساسا على الحرية.

صعوبة المقارنة:

يبدو أن تطبيق المقارنة علة القانون الإداري عملية صعوبة ففي القانون الخاص تتم المقارنة بين مواد لها ملامح عامة مماثلة في حين يستحيل هنا الاعتماد على عنوان المادة فقط ( القانون الإداري) وإلا سيؤدي بنا هذا المنهج إلى المقارنة بين مواد ليس لها نفس المدى و نفس الدلالة و بالتالي غير قابلة للمقارنة.





وضع القراءة :
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-